للأسف البعض ينكر بطريقة ملتوية - عن دون دراية بالإيمان الأرثوذكسي القويم - قائلاً أن الروح القدس لا يسكن فينا إنما يحل علينا فقط بالمواهب ، ولكني أرد من كتاب ألوهية الروح القدس للقديس كيرلس الكبير عامود الدين ، الذي وضح الموضوع بصورة رائعة لا تحتاج لتعليق إذ يقول :
[ إن كان الروح يستطيع أن يؤلّه وأن يهب المخلوقات رتبة أسمى من الخليقة فهو أسمى من حيث الطبيعة والكرامة ، فإذا كان يستطيع أن يؤلّه النفس ، فكيف يمكن أن يكون مخلوقاً وليس إلهاً ، طالما أنه يؤلّه ؟
إن كنا نؤمن بأن الله قد أتى إلينا ، بواسطة سكنى الروح القدس داخلنا ، فكيف يُمكن أن يكون ( الروح القدس ) مخلوقاً ؟ لأنه غير الممكن أن يُقيم الله داخلنا بواسطة مخلوق ، إذ أن الله يسمو على الكون ( المخلوق ) . لأنه كما أنه بسكنى الله داخلنا ، نُصبح شركاء الطبيعة الإلهية ، وليس شركاء الطبيعة المخلوقة ، هكذا فإذا سكن داخلنا مخلوق ، فلن نكون بعد شركاء الطبيعة الإلهية ، بل شركاء الطبيعة المخلوقة . إذاً فالروح هو إله ، طالما أن الله يسكن فينا بالحقيقة من خلاله . ]
( تمت الترجمة عن النص اليوناني المنشور في مجموعة آباء الكنيسة الذين كتبوا باليونانية ( EIIE ) الصادرة في تسالونيكي 1973 المجلد رقم 9 والذي يحمل عنوان " عن الثالوث القدوس المساوي ، وتأنس الابن الوحيد " صفحة 431 - 469 ، وقد قام بالترجمة إلى العربية الدكتور سعيد حكيم وراجعها الدكتور نصحي عبد الشهيد وصدرت في مايو 2007
والناشر مؤسسة القديس أنطونيوس - المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ( نصوص آبائية 114 )
____________
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته الأولى عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون 12 :
[ وبالإضافة إلى ذلك فإنه يقال عنا إننا : " شركاء الله " ، لأنه يقول : " أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم ؟ إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هوَّ " ( 1كو 3: 16و17 ).
فلو كان الروح القدس مخلوقاً ، لما كان لنا اشتراك في الله بواستطه . فإن كنا قد اتحدنا بمخلوق فإننا نكون غرباء عن الطبيعة الإلهية حيث أننا لم نشترك فيها . أمّا الآن فلكوننا نُدعى شركاء المسيح وشركاء الله ، فهذا يوضَّح أن المسحة والختم الذي فينا ، ليس من طبيعة المخلوقات بل من طبيعة الابن ، الذي يوحّدنا بالآب بواسطة الروح الذي فيه , هذا ما علمنا إياه يوحنا - كما قيل سابقاً - عندما كتب : " بهذا نعرف أننا نثبت في الله وهو فينا أنه قد أعطانا من روحه " ( 1يو 4: 13 ) .
ولكن إن كنا بالاشتراك في الروح نصير " شركاء الطبيعة الإلهية " ( 2بط 1: 4 ) ، فإنه يكون من الجنون أن نقول إن الروح ( القدس ) من طبيعة المخلوقات وليس من طبيعة الله . وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه ، يتألهون . وأن كان هو يؤلّه البشر ، فلا ينبغي أن يُشَّك في أن طبيعته هي طبيعة إلهية ]
ويقول ايضاً القديس اثناسيوس الرسولي :
[ الله حال فينا ، بسكنى الروح القدس ] ( ضد الأريوسيين 3: 24 )
وأما عن المواهب التي تُمنح ، فالقديس أثناسيوس يؤكد أنها من الروح القدس الساكن فينا ، لأن بالطبع لايمكن أن يعطي الروح القدس موهبة ويرحل مثل العهد القديم ، حينما يحل حلول لغرض ما ثم لا يسكن في الإنسان لأن المسيح - له المجد - لم يكن اتى بعد ليؤهل الإنسان لسكنى الروح القدس بشخصه الذي حل على الكنيسة يوم الخمسين ن ولازال يحلّ ويسكن في كل من ينال المسحة المقدسة في سرّ الميرون ، وأن قلنا أن الروح القدس لا يسكن فينا بشخصه المحيي أنكرنا سر التثبيت التي نناله بعد المعودية ، وأصبحنا ننكر عمل الله كله بل نرفضه فينا منكرين سرّ تجسد الكلمة ...
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته الأولى عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون 30 :
[ فالمواهب التي يقسمها الروح لكل واحد تُمنح من الآب بالكلمة ، لأن كل ما هو من الآب هو من الابن أيضاً . وإذن فتلك الأشياء التي تُعطى من الابن في الروح ( القدس ) هي مواهب الآب .
وحينما يكون الروح ( القدس ) فينا ، فالكلمة الذي يعطي الروح يكون ايضاً فينا ، والآب موجود في الكلمة , وهكذا يكون كما قال : " سنأتي أنا والآب ونصنع عنده منزلاً " ( يو14: 23 ) .
لأنه حيث يكون النور فهناك الشعاع أيضاً . وحيث يكون الشعاع فهناك أيضاً فاعليته ونعمته المضيئة .
وهذا هو ما علَّم به الرسول أيضاً حينما كتب إلى الكورنثوسيين في الرسالة الثانية قائلاً : " نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم " ( 2كو 13: 13 ) . لأن هذه النعمة والهبة تُعطى في الثالوث من الآب والابن في الروح القدس ، وكما أن النعمة المعطاه هي من الآب والابن ، هكذا فإنه لا يكون لنا شركة في العطية إلا في الروح القدس . لأننا حينما نشترك فيه تكون لنا محبة الآب ونعمة وشركة الروح نفسه ]
ترجمت هذه الرسالة من اللغة اليونانية من مجموعة ميني m.g مجلد 26 ، والمنشورة أيضاً باليونانية القديمة والحديثة في سلسلة " آباء الكنيسة اليونانية " منشورات غيرغوريوس بالاماس - تسلونيكي - اليونان - أعمال القديس اثناسيوس مجلد 4 سنة 1975 .
وقد ترجمها وقارن بين الترجمات وأعد المقدمة والملاحظات الدكتور موريس تاوضروس - والدكتور نصحي عبد الشهيد ، والناشر مؤسسة القديس أنطونيوس - المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ( نصوص آبائية 95 )